الشهادة منزلة عالية عظيمة لا ينالها إلا المخلصون الصادقون وهى اصطفاء من الله {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} [سورة آل عمران: 140]، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة آل عمران: 169-170].
وفى غزة الأبية الصامدة المجاهدة كان موعد المجاهدين الصادقين الذين يقاتلون فى سبيل الله مع الشهادة، وعندما نذكر الشهداء لا نذكر العدد فقط الذى وصل إلى مايزيد عن 1300 ولكننا هنا نذكر ونخص المجاهدين المقاتلين، ونخص منهم بالذات بطلاً مجاهداً صنع ملحمة بطولة وفخر ليس له وليس لغزة فقط وليس لفلسطين فقط إنما للأمة العربية والإسلامية، إنه البطل المجاهد أمير يوسف منسي، كثير جداً من القراء لا يعرفونه ولكن حسبه جهاده، حسبه بطولته، حسبه تضحيته، حسبه شجاعته.
أنه أمير منسي مهندس صواريخ غراد التي أفزعت العدو الصهيوني ووصلت إلى مناطق لم يتوقعها العدو ،وكانت مفاجأة المجاهدين للعدو الصهيوني في معركة غزة معركة الفرقان.
إنه شاب ليس مثل كل الشباب؛ لقد اختار الطريق الصعب، طريق الجنة، طريق الجهاد والتضحية، لم يسير كما يفعل أقرانه فى طريق اللهو والكرة والأغانى وتضييع الأوقات، لقد اختار أن يكون وقته لله وفى سبيل الله.
وفى ملحمة بطولة أمير جزء هام جداً ألا وهو أنه ابن يوسف منسي وزير الإتصالات في حكومة إسماعيل هنية، الله أكبر ما أعظم هؤلاء القادة يقدمون أرواحهم وأرواح أبنائهم رخيصة فى سبيل الله، ولا يتوسطون بنفوذهم لأولادهم لوظيفة كبيرة في وزراتهم كما يفعل كل وزراء الدنيا، الذين لايرون إلا نعيم الدنيا الغرور الزائل، ولايرون النعيم الخالد فى جنة الخلد، بارك الله في يوسف منسي وجمعه وابنه في الفردوس الأعلى.
وفي هذا السياق القائمة طويلة تضم 45 من قادة حماس، استشهد أبناء لهم وعلى رأسهم وزير الخارجية القائد المجاهد محمود الزهار؛ الذي قدم ولدين للشهادة في سبيل الله خالد وحسام، ولا يفوتنا الشيخ نزار ريان الذي قدم ولده إبراهيم ثم استشهد هو وعائلته جميعا، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحد.
إنهم قادة من نوع فريد، قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، يتقدمون الصفوف ويضحون في سبيل دينهم بأعز ما لديهم.
وبطلنا أمير يوسف منسي استشهد يوم 11 يناير -نحسبه كذلك ولانزكى على الله أحد-، وزف إلى السماء كي يزوج باثنتين وسبعين من الحور العين بإذن الله، ولم يلتفت إلى إستشهاده الكثير من الناس ووسائل الإعلام؛ فقد كان يعمل في صمت محتسباً عمله لله، وقد وفقه الله أن نال من العدو وأفزعه وجعله يتألم، وقتل من العدو بصواريخ جراد أربعة -وان كنت أشكك في الأعداد التي ينشرها العدو فهو يخفي عدد قتلاه كما تفعل أمريكا في العراق-.
إن الأثر الذي أحدثته تلك الصواريخ بالعدو الصهيوني لا يمكن قياسه وتحديده؛ لأنه أثر زلزل كيان العدو الذي يملك كل الأسلحة الفتاكة، وأيضًا لأنه أثر سيظل مستمر مؤلم مفزع للعدو ويحمل اسم أمير منسي...
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن كل الأعداء من اليهود والصليبيين والخونة والمنافقين زلزلتهم صواريخ جراد ويتخبطون كيف حصلوا عليها؟، كيف يطلقونها؟، من عّلمهم إطلاق الصواريخ؟، فلله درك يأمير الشهداء؛ لقد أُطلق أكثر من 300 صاروخ جراد وظلت الصواريخ تطلق حتى بعد استشهاد البطل وستظل تُطلق طالما أنه يوجد محتل وعدوان، وستبقى صواريخ جراد في ميزان حسنات البطل أمير الشهداء أمير يوسف منسي -بإذن الله-، فلا تنسوه مع كل صاروخ يزلزل العدو فالمعركة لم ولن تنتهي بعد.
إنها قصة من قصص البطولة الكثيرة العظيمة لشهداء معركة الفرقان، قصة بطل ينبغي أن يتعلمها شبابنا وأبنائنا، بطل شاب ضحى في سبيل الله وصعدت روحه لله في سبيل الله، من أجل الأقصى والقدس وفلسطين ونصرة أمة الإسلام.
ممدوح اسماعيل محام وكاتب